يزداد الاعتماد على البيانات الجغرافية المكانية ضمن منظومة العمل الحكومي في دولة الإمارات، باعتبارها أحد أبرز المُمكّنات الرئيسية لتحقيق رؤيتها التنموية الطموحة ونهضتها الحضارية الشاملة. وقد أولت قيادتنا الرشيدة اهتماماً خاصاً واستثنائياً لجمع هذا النوع من البيانات وتحليلها، نظراً لأهميتها المُتنامية في اتخاذ القرارات الاستراتيجية والقائمة على البيانات، وتحديداً في مجالات التنمية الحضرية المُستدامة وتطوير البنى التحتية والإدارة البيئية وتعزيز الأمنين الوطني والغذائي والاستجابة لحالات الطوارىء، وغير ذلك من الميادين الحيوية الأُخرى.
وفي هذا الإطار، جاء إنشاء "المركز الاتحادي للمعلومات الجغرافية" بموجب مرسوم بقانون اتحادي رقم (5) لسنة 2019، ليتولى الإشراف على إدارة وتنظيم قطاع المعلومات الجغرافية المكانية على المستوى الاتحادي في الدولة، بما يسهم في تحقيق التوجّهات الاستراتيجية لرؤية "نحن الإمارات 2031" ومحاور "مئوية الإمارات 2071"، وما يرتبط بهما من أجندات وبرامج وطنية، وبما يُعزّز ازدهار الدولة ويُمكّنها من إرساء اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة والابتكار، وبلوغ الريادة العالمية في مختلف القطاعات خلال العقود المقبلة، وصولاً إلى بناء حاضر ومُستقبل أكثر إشراقاً لمواطني الدولة والمقيمين على أرضها وتأمين غدٍ أفضل للأجيال المقبلة.
وقد حقّق المركز منذ تأسيسه وبالتعاون مع شركائه الاستراتيجيين العديد من الإنجازات النوعية، التي عزّزت دور دولة الإمارات المُتنامي في مجال استخدام وتطوير المعلومات الجغرافية المكانية، وسلّطت الضوء على جهودها المبذولة محلياً وعالمياً للارتقاء بهذا القطاع المُهم وتسخيره لخدمة أهداف التنمية المُستدامة وأفراد المجتمع؛ ويُواصل المركز تحقيق مستهدفاته الوطنية المرسومة من خلال الخطة الاستراتيجية 2023-2026، وعبر ترجمة رؤيته المُتمثلة بإقامة "بنية تحتية مُتميزة ومتكاملة ومستدامة للبيانات المكانية بما يخدم الاستراتيجية الوطنية ودعم القرار"، وبما يُؤدي إلى بلورة رسالته الرامية إلى "تنظيم وتطوير قطاع البيانات المكانية بالتعاون مع الجهات المعنية لدعم الاستراتيجيات الوطنية ودعم القرار".
ويتطلع المركز في إطار استراتيجيته الجديدة، التي تُركز على مبدأ المشاركة والتعاون بين مختلف الأطراف المعنية بالدولة من مزوّدين ومستخدمين، إلى الارتقاء بالمعلومات والخدمات المكانية من المستوى المحلي إلى الاتحادي بحلول 2026، عبر أطر تشريعية وتنظيمية ومعايير إجراءات وسياسات اتحادية دقيقة، تضمن حوكمة البيانات المكانية وإدارتها وتوحيدها ونشرها ودمجها وحمايتها، وذلك باستخدام أفضل التقنيات والممارسات العالمية، واستناداً إلى مجموعة من القيم المؤسسية التي تتمحور حول التميز والإبداع والتعاون والشراكة؛ بما يُمكّن جميع الهيئات والمؤسسات الحكومية والجهات ذات الاختصاص من الحصول على المعلومات الجغرافية "الرقمية" اللازمة.
ويحرص المركز على تبادل المعارف والاستفادة من الخبرات المُتاحة لدى مختلف الجهات المختصة بقطاع البيانات المكانية داخل الدولة وخارجها، بالإضافة إلى تعزيز سبل التعاون مع القطاع الخاص، ومد جسور التعاون وتنسيق الجهود مع مختلف المنظمات الدولية وغيرها من الجهات الإقليمية والعالمية ذات الصلة، وزيادة الاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي. كما يعمل المركز على وضع وتنفيذ خطة تدريب وتأهيل للكوادر الوطنية في مجال البيانات المكانية، بهدف رفع الوعي لدى كافة فئات المجتمع حول أهمية البيانات المكانية وفوائدها خاصة في مجالات استخدام الموارد الطبيعية وإدارة الأصول والتعامل مع التحديات التي يشهدها عصرنا الحالي على مختلف الصعد.
وقد أطلق المركز على امتداد مسيرته عدداً من المشاريع التحولية من بينها "أطلس الاتحاد" الذي يوفر قاعدة بيانات للمعلومات الجغرافية المكانية والإحصائية الموثوقة تهدف إلى تمكين الجهات الحكومية والخاصة والقطاعات الحيوية في الدولة من تعزيز عملياتها ودعمها في مجال التخطيط المستقبلي، وترسيخ مكانة الإمارات كمركز عالمي للاقتصاد الجديد خلال العقد المقبل، إلى جانب إطلاق "الفهرس الوطني للمعالم الجغرافية" الذي يُوفر مرجعاً لتبادل المعلومات من شأنه أن يُسهم في إنشاء دليل بيانات استراتيجية لتسهيل آلية تبادل المعلومات الجغرافية على المستوى الوطني، إلى جانب العديد من المبادرات الأخرى الهادفة إلى ترسيخ بصمة الإمارات البارزة وريادتها في مجال استخدام وتطوير المعلومات الجغرافية المكانية على المستوى العالمي.